انتبه! الجلوس الطويل يُهدّد صحتك ونفسيتك.. جرّب قاعدة '5-30'
في حياتنا اليومية، نادرًا ما نُلاحظ التأثيرات السلبية التي يتركها الجلوس لفترات طويلة على أجسامنا. من ساعات العمل الطويلة أمام الشاشة إلى الاسترخاء في المنزل بعد يوم مرهق، غالبًا ما نعتبر الجلوس وقتًا للراحة.
لكن الحقيقة أنّ هذا الوضع الثابت لفترات ممتدة قد يؤدي إلى مشاكل صحية تتراكم مع الوقت، بدءًا من الألم العضلي وصولًا إلى التأثيرات النفسية والعصبية.
فهل فكرت يومًا في كيفية تأثير الجلوس على جسمك؟ وكيف يُمكنك حماية نفسك من هذه التأثيرات المدمرة؟..
من السمنة إلى آلام الظهر.. كيف يُؤثر الجلوس الطويل على صحتك؟
عكف ديفيد دانستان، الباحث في معهد النشاط البدني والتغذية بجامعة ديكن في أستراليا، على دراسة آثار الجلوس لفترات طويلة وكذلك التدخلات الممكنة للحد من تلك الآثار.
ويقول دانستان إن "الجلوس لفترات طويلة يعني انخفاض النشاط العضلي"، مشيرًا إلى أن هذا يؤدي إلى تقليل تدفق الدم إلى عضلات الساقين، ما يسبب تجمّع الدم في ربلة الساق. ومع وضع الساقين في وضعية الجلوس لفترات طويلة، يقل تدفق الدم بشكل ملحوظ، وهو ما يسبب تعطلًا في وظائف الأوعية الدموية.
ويضيف دانستان أن هذا الانخفاض في تدفق الدم قد يؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية، مما يسهم في مشاكل صحية كبيرة. علاوة على ذلك، يشير الباحثون إلى أن الجلوس لفترات طويلة بعد تناول وجبات عالية الدهون قد يسبب أضرارًا صحية خطيرة. كما يتأثر الجهاز العضلي الهيكلي بشكل سلبي، حيث يؤدي الجلوس المستمر إلى ضعف العضلات وانخفاض كثافة العظام، مما يساهم في تقليص قوة العضلات.
ولا يقتصر تأثير الجلوس الطويل على الجوانب الجسدية فقط؛ بل يمكن أن يسفر عن إرهاق جسدي، وتوتر في مكان العمل، واكتئاب. في بعض الحالات، قد تؤدي هذه العوامل إلى التقرحات الناجمة عن الضغط. ويحذر دانستان، المتخصص في داء السكري من النوع الثاني، من أن نمط الحياة المكتبية قد يساهم في زيادة نسبة السكر في الدم بعد تناول الوجبات.
بناءً على ما أكّده ديفيد دانستان حول تأثير الجلوس لفترات طويلة على الجسم، يظهر أنّ هذه العادة تُؤثّر بشكل كبير على عدة جوانب صحية، بدءًا من ضعف الدورة الدموية إلى التأثيرات النفسية السلبية. فقد كشفت الدراسات أن الجلوس الطويل يعزز العديد من المشاكل الصحية التي قد تتفاقم مع مرور الوقت.
ومن أبرز هذه الآثار التي ينبغي الانتباه إليها:
• السمنة: الجلوس الطويل يعزز تراكم الدهون بسبب قلة الحركة، مما يقلل من قدرة الجسم على حرق السعرات الحرارية.
• انحراف العمود الفقري: الجلوس غير الصحيح قد يؤدي إلى مشاكل في العمود الفقري مثل الانحناء أو آلام أسفل الظهر.
الجلوس فترة طويلة يتسبّب في وضعية سيئة لعمودنا الفقري (موقع الجزيرة)

• ضمور العضلات: الجلوس المستمر يضعف العضلات الأساسية التي تدعم الجسم، مما يزيد من احتمال الإجهاد العضلي.
• ضعف الدورة الدموية في الساقين: الجلوس المفرط يتسبب في تجمع الدم في الساقين، مما يؤدي إلى تورم الساقين وزيادة خطر الإصابة بتجلطات دموية.
• الإمساك: نقص الحركة يؤثر على حركة الأمعاء ويزيد من احتمالية الإصابة بالإمساك.

الآثار النفسية والاجتماعية للجلوس المفرط: من التوتّر إلى الاكتئاب
تأثيرات الجلوس لفترات طويلة لا تقتصر على الجوانب الجسدية فقط، بل تمتد إلى الصحة النفسية والاجتماعية أيضًا. الحياة الخاملة قد تُسهم في زيادة مستويات التوتر والقلق، بسبب انعدام النشاط البدني الذي يعزز الشعور بالراحة النفسية. ففي حالة الجلوس المستمر، ينخفض مستوى إفراز الإندورفين، وهو الهرمون المسؤول عن شعور السعادة والاسترخاء، مما قد يؤدي إلى الشعور بالتعب النفسي وزيادة الإحساس بالضغوط.
أيضًا، تؤدي الحياة الخاملة إلى العزلة الاجتماعية، حيث يقل التفاعل مع الآخرين، سواء في العمل أو خارج العمل. الجلوس لفترات طويلة يُقلل من فرص التواصل الاجتماعي، ما قد يزيد من الشعور بالوحدة والانعزال. هذا النقص في التفاعل الاجتماعي قد يساهم في ظهور مشاعر الاكتئاب لدى الأشخاص الذين يمرون بهذه الحالة.
ووفقًا للأبحاث، يرتبط الجلوس المفرط بزيادة معدلات الاكتئاب. فقلة النشاط البدني يمكن أن تؤثر في الصحة النفسية، مما يجعل الشخص أقل قدرة على التعامل مع التوتر اليومي والمشاكل الشخصية. وفي بعض الحالات، يُلاحظ أن الانغماس في الحياة الخاملة قد يؤدي إلى الإجهاد النفسي المستمر الذي يصبح أكثر صعوبة في التغلب عليه مع مرور الوقت.

لتقليل تأثيرات الجلوس الطويل.. طبّق قاعدة "5 - 30"
لتقليل المخاطر الصحية الناجمة عن الجلوس لفترات طويلة، يمكن أن تكون قاعدة "5 - 30" هي الخطوة الأولى الفعّالة. فقد توصلت دراسة أجراها المركز الطبي بجامعة كولومبيا في جانفي 2023 إلى أنه يجب عليك النهوض من مقعدك كل 30 دقيقة والمشي لمدة 5 دقائق.
وأظهرت الأبحاث أنّ هذه الفترة القصيرة من الحركة تؤثر بشكل إيجابي على مستويات السكر في الدم وضغط الدم. وبالتالي، إذا كنت تعمل 8 ساعات في اليوم، فإن إضافة 75 دقيقة من النشاط البدني بشكل دوري طوال اليوم يمكن أن يقلل من تأثيرات الجلوس الطويل.

إلى جانب قاعدة "5 - 30"، هناك عدة نصائح أخرى يمكن أن تساهم في الحفاظ على صحة الجسم والعقل:
√ تحسين الوضعية: تأكد من الجلوس في وضعية صحيحة، بحيث يكون الظهر مستقيمًا والأقدام مستوية على الأرض. استخدم الكراسي القابلة للتعديل لتوفير الدعم اللازم للظهر والرقبة، ما يقلل من الضغط على العمود الفقري.
√ فترات راحة منتظمة: حاول أن تأخذ فترات راحة قصيرة كل 30 دقيقة على الأقل. يمكن الوقوف أو المشي لمسافة قصيرة أو حتى أداء بعض التمارين البسيطة لتنشيط الجسم وتحفيز الدورة الدموية. هذه الفترات لا يجب أن تكون طويلة، ولكنها كافية للتقليل من أضرار الجلوس المستمر.
√ استخدام الأجهزة التكنولوجية: استفد من التطبيقات الذكية التي تذكرك بضرورة التحرك بانتظام. يمكن ضبط المنبهات لتذكيرك بالقيام ببعض الحركات البسيطة أو الوقوف لفترة قصيرة.
√ التعديلات في بيئة العمل: إذا كنت تعمل في مكتب، يمكن استخدام المكتب القابل للتعديل ليتيح لك التبديل بين الجلوس والوقوف خلال العمل. كما أن العمل في بيئة تحتوي على مساحات مفتوحة تُشجع على الحركة والتحرك قد يكون له تأثير إيجابي في تقليل تأثيرات الجلوس الطويل.

√ التمارين البسيطة: لا يجب أن تكون التمارين الرياضية معقدة. تمارين الإطالة البسيطة مثل التمدد لشد العضلات أو تمارين التنفس يمكن أن تحسن الدورة الدموية وتخفف من الآلام الناتجة عن الجلوس لفترات طويلة.
√ تناول وجبات صغيرة ومتوازنة: الجلوس لفترات طويلة قد يزيد من الميل لتناول وجبات خفيفة غير صحية. من المهم تناول وجبات صغيرة ومتوازنة تحتوي على البروتينات، الألياف، والدهون الصحية للحفاظ على مستويات الطاقة دون التأثير سلبًا على الصحة. يساعد ذلك في تحسين مستوى السكر في الدم وتقليل خطر الإصابة بمشاكل صحية ناتجة عن تناول الطعام غير الصحي خلال فترات الجلوس الطويلة.
√ شرب الماء بانتظام: الجلوس لفترات طويلة قد يؤدي إلى الجفاف لأننا غالبًا ما ننسى شرب الماء أثناء التركيز على العمل. شرب الماء بانتظام طوال اليوم يساعد في تحسين الدورة الدموية، ودعم الجسم في التخلص من السموم، والحفاظ على مستوى الطاقة.
√ تخصيص وقت للنشاط البدني: حاول تخصيص وقت في يومك لممارسة الرياضة بشكل منتظم. حتى 30 دقيقة من التمرين المعتدل يوميًا يمكن أن تقلل من تأثيرات الجلوس الطويل على صحتك الجسدية والنفسية.
باتّباع هذه الخطوات البسيطة يمكن أن تقطع شوطًا كبيرًا في تحسين صحتك الجسدية والنفسية وتقليل الأضرار الناتجة عن الجلوس الطويل.
* إعــــداد: أمـل منّاعــي